أغسطس2021 لم يكون شهراً عادياً بالنسبة للفلسطينية نعم حويطي، من سكان مدينة طولكرم شمال فلسطين المحتلة، فقد تحولت لحظات الخوف والترقب والتوتر إلى فرح رسم طريق جديدة تري فيه نغم أن تعب 12 عاماً قد انتهي وستبدأ مرحلة الدراسة الجامعية بشغف.
نغم الكفيف ولحظة إعلان اسمها ضمن المتوفقين في الثانوية العامة، بدأت تتخيل كل ما يدور حولها خاصة عندما سمعت عزف موسيقي التوفق، فشاهدت في قلبها فرحة أمها ودموع والدها الذي بدأ يوزع الحلوة وينثر الورد عليها، وتذكرت كلماتهما التي شكلت بالنسبة لها نور الذي لم تبصره بعيونها، بقدر ما أبصرته بقلبها المعلق في شغفها في التعلم، حيث تكمل اليوم دراستها الجامعية في جامعة القدس تخصص علم نفس وإرشاد.
وتستذكر نغم التي تعيش مع أسرة بسيطة يكاد والديها الذي يعمل في طلاء الجدران على توفير قوت يومهم، مشهداً المعاناة الذي جعل من إصرارها على التعلم طوق النجاة لتغيير مسار حياتها، وتقول" ولدي الطيب كان يعمل بجد من أجل توفير حياة كريمة لنا رغم كل الظروف الصعبة، وتوفير العلاج لي ولأختي الكفيفة التي تكبرني والذي شكل فقدانها للسمع صدمة شديدة لي".
والد نغم معلق القلب بها وبأختها فكان يعمل بجد من أجل أن تتمكنا من الحصول على التعليم فألحقهما في بمدرسة خاصة للمكفوفين بمدينة رام الله، فكانتا دائما يتشاركن معا الفرح والألم، خاصة أنهما كانتا مقمتان داخل المدرسة الخاصة، إلى أن فقدت أخت نغم السمع الأمر الذي دفعة العائلة بإعادتهما إلى طولكرم.
وتصف نغم تلك الأيام بالقول:" عندما فقدت أختي الكفيفة سمعها أصبح الخوف يطاردني في كل مكان وقلبي لا يهدأ عن الخفقان شعرت بأن الحياة انتهت فكان لابد من العودة إلى البيت لاستكمال علاج أختي وأنا لا أستطيع البقاء وحدي ومرضت".
وبعد اسبوع أخبر والد نغم ابنته بأنه سأذهب إلى مدرسة عمر بن عبد العزيز الثانوية (مدرسة غير مؤامة)، من أجل استكمال مسيرتها التعلمية وهنا ذاد خوفها وبدأت عشرات الأسئلة تدور في ذهنها كيف سأذهب؟ ماذا ستكون ردة فعل الطالبات؟ وهل ستتقبلني المعلمات كما أنا؟ فانا لا أستطيع القراءة من الكتب المدرسية سأختار إلى كتب بريل من ستقدمها لي؟ هل تستطيع المعلمة والطالبات أثناء سماع صوت بريل فهو مزعج.
وفي صباح اليوم الأول للدراسة ذهبت نغم مع والدي وهو يمسك بيده كان يومًا طويلاً يسوده الترقب ماذا سيحدث وبعد الانتهاء من الدوام المدرسي، لكنها دائما كانت تسمع لصوت في قلبها يقول " أنا أستطيع أنا سأكون"، على الرغم من تأخر حصولها على الكتب الدراسية.
وتغلبت نغم بمساعدة أمها على تأخر الحصول على الكتب فكانت صديقاتها في الفصل يعطوها كراساتهم وتقوم أمها بطباعتها على طابعة بريل التي وفرتها المدرسة لها، إلى جانب جاهز لا بتوب.
وتعد أول فرصة اتيحت لنغم في المشاركة في الأنشطة المدرسية علامة فارقة بالنسبة لها، وتقول "عندما شاركت في قراءة القرآن في الإذاعة المدرسية شعرت كم صوتي أعجب معلمات وطالبات المدرسة مما أثلج صدري، وبدأت أشعر بدفء العائلة داخل المدرسة وقررت نتيجة التشييع المباشرة والمستمر من المدرسة والأهل أن أخوض انتخابات البرلمان الطلابي في الصف الأول ثانوي زفي زمن الكورونا وأعلنت عن برنامجي الانتخابي وفزت في عضوية البرلمان".
فوز نغم بعضوية البرلمان شكل نقلة نوعية بالنسبة لها وبدأ مستواها في التحصيل العملي يتحسن وأصبحت أكثر شغف في التعلم وشعرت بأن حلمها يتحقق أمامها بدأت الاستعداد لخوض تجربة التحاق في الثانوية لأنها تدرك أن العلم سيكون سلاحها الوحيدة الذي ستتغلب فيها على العتمة.
وتعرف نغم أن تلك الفترة كانت حاسمة وأن التواصل المستمر بين أسرتها المدرسة بهدف توفير المستلزمات والأدوات الضرورية وتذليل الصعوبات كان له الأثر الأبرز في تحقيق تفوقها في الثانوية العام، لكنها ترى أن غضة في قلبها لا تزال موجودة لأن أختها لم تحصل على ذات الفرصة وأن عشرات من ذوي الإعاقة لا يوجد من يهم فيهم ولا يقدرون على الحصول على حقهم المكفول بكل قوانين أهل الأرض في التعلم.
بقلم : لينا سلمان
2021