دائما يقول ماهر:" إن الفقر واليتم والبلاء سيصنع مني شيء وسأكون يوماً ما مفخرة بين أقراني"، حيث شكل طلاق والديه في سن مبكر هو أول ابتلاء عرفه والطلاق هنا ليس بفراق الوالدين فحسب، وإنما هو بالتنقل إلى مدينة تبعد عن مسقط رأسه خمسمائة كيلو متير، ولم يعد يرى والدته إلا نادراً، ولم يذق ما تذوقه الأطفال من لمسة حنان وفيض عطاء خاصة وأن الأم هي التي أصرت على عدم تحمله بدريعة أنها تحضن رضيعة في يدها، فكانت المصيبة أكثر من فراق الوالدين حينما أدرك انه ثم التخلي عنه.
وانتقل الطفل ليعيش مع والده وجدته الحنونة، ودخل المدرسة وبدت امارات النباهة على محياه متجاوزا ألم فراق الأم وحضنها. لكن الفاجعة حلت به مرة أخرى عندما تعرض الوالد لحادثة سير مؤلمة أدخلته العناية المركزة لتقطع رجليه؛ الأمر الذي أفجع الصبي بمنظر البثر والغيبوبة التي فاقت الأشهر الطوال، حتى انتهى الأمر بوفاة الوالد الغالي لينتقل ماهر مع جدته للعيش تحت كنف العمة.
ورغم قساوة العيش ومرارة الفقر تحمل ماهر تنمر البعض وتعليقات الكثير لأن الجدة لات ستطيع بمفردها تلبية حاجاته المادية والمعنوية لأنه أشرف على سن المراهقة التي قد ترمي به في الشارع البئيس في أية لحظة.
استقلت الجدة بحفيدها وبدأت تشتغل وتكابد مرارة العيش ليلزم المدرسة وينجح. لكن ماهر لم يتركها تعمل لمرضها وكبر سنها ليشتغل هو ويكسب بعض الدريهمات لإتمام الدراسة وتحدي كل المشاق والصعاب.
دخل ماهر إلى الجامعة وسطع شعاع تفوقه، وبرزت خيوط ذكائه ليحقق من النجاح مالم يحققه أقرانه من العائلة والأصدقاء، فحصل على الإجازة بميزة حسن ليحصل على دبلوم الدراسات العليا المعمقة ويجتهد في تحصيل الدكتوراه معية حفظ القرآن الكريم وعلومه حتى سطع نجمه وعلا ذكره في العديد من المؤسسات الحكومية والتطوعية في مدن وقرى مختلفة.
بقلم : صوفية مدغري
2021